سورة الرعد - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
{الله يَعْلَمُ} يحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً، وأن يكون المعنى: هو الله، تفسيراً لهاد على الوجه الأخير، ثم ابتدئ فقيل: {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} (وما) في {مَا تَحْمِلُ}، {وَمَا تَغِيضُ}، {وَمَا تَزْدَادُ} إما موصولة، وإما مصدرية. فإن كانت موصولة، فالمعنى: أنه يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو. من ذكورة وأنوثة، وتمام وخداج، وحسن وقبح، وطول وقصر، وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة، ويعلم ما تغيضه الأرحام: أي تنقصه. يقال: غاض الماء وغضته أنا. ومنه قوله تعالى: {وَغِيضَ الماء} [هود: 44] وما تزداده: أي تأخذه زائداً، تقول: أخذت منه حقي، وازددت منه كذا ومنه قوله تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} [الكهف: 25] ويقال: زدته فزاد بنفسه وازداد، ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد، فإنها تشتمل على واحد، وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة. ويروى أن شريكاً كان رابع أربعة في بطن أمه. ومنه جسد الولد، فإنه يكون تاما ومخدجاً. ومنه مدة ولادته، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند أبي حنيفة، وإلى أربع عند الشافعي، وإلى خمس عند مالك، وقيل: إنّ الضحاك ولد لسنتين، وهرم بن حيان بقي في بطن أمّه أربع سنين، ولذلك سمي هرماً. ومنه الدم، فإنه يقل ويكثر. وإن كانت مصدرية، فالمعنى أنه يعلم حمل كل أنثى، ويعلم غيض الأرحام وازديادها، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ومن أوقاته وأحواله. ويجوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته، فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها، على أنّ الفعلين غير متعدّيين، ويعضده قول الحسن: الغيضوضة أن تضع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك، والازدياد أن تزيد على تسعة أشهر. وعنه الغيض الذي يكون سقطاً لغير تمام، والازدياد ما ولد لتمام {بِمِقْدَارٍ} بقدر واحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، كقوله {إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49] {الكبير} العظيم الشأن الذي كل شيء دونه {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته، أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها.


{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
{سارب} ذاهب في سربه- بالفتح- أي في طريقه ووجهه. يقال: سرب في الأرض سروباً. والمعنى: سواء عنده من استخفى: أي طلب الخفاء في مختبأ بالليل في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهراً بالنهار يبصره كل أحد.
فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، حتى يتناول معنى الاستواء المستخفي والسارب؛ وإلا فقد تناول واحداً هو مستخف وسارب قلت: فيه وجهان: أحدهما أنّ قوله {وَسَارِبٌ} عطف على من هو مستخف، لا على مستخف، والثاني أنه عطف على مستخف؛ إلا أن {مِنْ} في معنى الاثنين، كقوله:
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَاذِئْبُ يصْطَحِبَانِ ***
كأنه قيل: سواء منكم اثنان: مستخف بالليل، وسارب بالنهار. والضمير في {لَهُ} مردود على {مِنْ} كأنه قيل: لمن أسرّ ومن جهر، ومن استخفى ومن سرب {معقبات} جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل: معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، كقوله {وَجَاء المعذرون} [التوبة: 90] بمعنى المعتذرون. ويجوز معقبات، بكسر العين ولم يقرأ به. أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه، كما يقال: قفاه، لأنّ بعضهم يعقب بعضاً أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} هما صفتان جميعاً وليس {مِنْ أَمْرِ الله} بصلة للحفظ، كأنه قيل: له معقبات من أمر الله. أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أنّ الله أمرهم بحفظه. والدليل عليه قراءة علي رضي الله عنه وابن عباس وزيد بن علي وجعفر بن محمد وعكرمة: {يحفظونه بأمر الله}. أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب، بدعائهم له ومسئلتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب، كقوله: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم باليل والنهار مِنَ الرحمن} [الأنبياء: 42] وقيل: المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان، يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر الله أي من قضاياه ونوازله، أو على التهكم به، وقرئ: {له معاقيب} جمع معقب أو معقبة. والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة {حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الحال الجميلة بكثرة المعاصي {مِن وَالٍ} ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم.


{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
{خَوْفًا وَطَمَعًا} لا يصح أن يكونا مفعولاً لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف، أي: إرادة خوف وطمع. أو على معنى إخافة وإطماعاً، ويجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق، كأنه في نفسه خوف وطمع. أو على: ذا خوف وذا طمع. أو من المخاطبين، أي: خائفين وطامعين. ومعنى الخوف والطمع: أنّ وقوع الصواعق يخاف عند لمع البرق، ويطمع في الغيث. قال أبو الطيب:
فَتَى كالسَّحَابِ الْجُونِ تُخْشَى وَتُرْتَجَى *** يُرْجَى الْحَيَاء مِنْهَا وَيُخْشَى الصَّوَاعِقُ
وقيل: يخاف المطر من له فيه ضرر، كالمسافر، ومن له في جرينه التمر والزبيب، ومن له بيت يكف، ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر، ويطمع فيه من له فيه نفع، ويحيا به {السحاب} اسم الجنس، والواحدة سحابة. و{الثقال} جمع ثقيلة؛ لأنك تقول سحابة ثقيلة، وسحاب ثقال، كما تقول: امرأة كريمة ونساء كرام، وهي الثقال بالماء {وَيُسَبّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} ويسبح سامع الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له. أي يضجون بسبحان الله والحمد لله.
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «سبحان من يسبح الرعد بحمده» وعن علي رضي الله عنه: سبحان من سبحت له.
وإذا اشتدّ الرعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» وعن ابن عباس أنّ اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ فقال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» وعن الحسن: خلق من خلق الله ليس بملك. ومن بدع المتصوّفة. الرعد صعقات الملائكة، والبرق زفرات أفئدتهم، والمطر بكاؤهم {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده، وما دلّ على قدرته الباهرة ووحدانيته ثم قال {وَهُمْ} يعني الذين كفروا وكذّبوا رسول الله وأنكروا آياته {يجادلون فِي الله} حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعاد، الخلائق بقولهم {مِنْ يحيى العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ويردّون الوحدانية باتخاذ الشركاء والأنداد، ويجعلونه بعض الأجسام المتوالدة بقولهم {الملائكة * بَنَات الله} فهذا جدالهم بالباطل، كقولهم {وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} [غافر: 5] وقيل: الواو للحال. أي: فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم. وذلك أنّ أربد أخا لبيد ابن ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم- حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين لقتله فرمى الله عامراً بغدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية، وأرسل على أربد صاعقة فقتلته- أخبرنا عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد؟ {المحال} المماحلة، وهي شدّة المماكرة والمكايدة.
ومنه: تمحل لكذا، إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان. ومنه الحديث: «ولا تجعله علينا ما حلا مصدّقاً» وقال الأعشى:
فَرْعُ نَبْعٍ يَهَشُّ في غُصُنِ الْمَجْ *** دِ غَزِيرُ النّدَى شَدِيدُ الْمِحَالِ
والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون.
وقرأ الأعرج بفتح الميم، على أنه مفعل، من حال يحول محالا إذا احتال. ومنه: أحول من ذئب، أي أشدّ حيلة. ويجوز أن يكون المعنى: شديد الفقار، ويكون مثلا في القوة والقدرة كما جاء: فساعد الله أشدّ، وموساه أحدّ؛ لأن الحيوان إذا اشتدّ محاله، كان منعوتاً بشدّة القوّة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر؟ وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8